الرحيل

الرحيل

اعتصره الخوف و الألم و هو عائد لتوه من تشييع جنازة أحد أصدقائه و زملاء دربه، و دار بينه و بين نفسه حوار كشفت عن تفاصيله الدقيقة عيون لا تعرف الكذب:
ـ يا الله... هكذا رحل غريب؛ آخر رفقائى... منذ ساعات كان يملأ الدنيا بصوته و ابتسامته بل و بقهقهاته المتفائلة!.
ـ كان يسخر منك؛ عندما يراك مهموماً؛ "فكها بقى؛ أنت غاوى نكد"!
ـ إي و الله؛ بالأمس فقط كان يحدثني عن خطته التي سيبدأ في تنفيذها بعد أن خرج إلى المعاش...
ـ هل تتذكر ما قاله لك؟
ـ عنفني كثيراً على إحساسي الدائم باليأس و التشاؤم؛ "لا يأس مع الحياة" هكذا كان يردد، و هو يشرح لي تفاصيل مشروعه الصغير: مكتبة و آلة تصوير مستندات... لكنه رحل قبل أن يحقق حلمه...
ـ لا لا لا؛ حزنك ليس عليه، و لكن على نفسك التي حرمها بفراقة ممن كان يسليك بكلماته، و يسرى عنك بتفاؤله، و يضحكك بنكاته... رحيلهم مقدمة لرحيلك...
ـ مؤلم جداً أن أعيش منتظراً هذه اللحظة؛ بعد تلك الإشارات المتكررة: رحيل علاء بدر، و أحمد محمود، و حمدى رمضان، و مؤنس ضاحى، و شريف حسن، و رأفت صلاح، و غريب فضل 
ـ لم يتبق منهم أحداً إلا أنت!
ظل هذا الهاجس يسيطر عليه: (لم يتبق إلا أنت) طيلة ثلاثين عاماً؛ قضاها في هم الترقب و قسوة الانتظار.