ضمير
الحاج بيومي
لم يكن عواد الزفر يتوقع أن تطال مهنته الشريفة
عدوى الغش التجارى... إلا عندما ابتاع كمية كبيرة من قنان العطور ذات الرائحة
الزكية بأسعار متدنية؛ ثم اكتشف أن تلك الرائحة لا تدوم سوى دقائق معدودات؛ بعدها
تنقلب إلى رائحة منفرة كريهة!.
لقد عارضه شريكه حينها معارضة شديدة، محاولاً
إقناعه بأن مجهولية المصدر، تشكل خطراً على سمعتهم الطيبة في السوق... غير أن سالم
أقنعه بضرورة المنافسة السعرية؛ خصوصاً في ظل غزو الباعة الجائلين لهذا المعترك
التجارى بشكل لافت...
أثناء تبادلهما الحديث و المقترحات حول طريقة
التخلص من تلك القناني؛ دخل عليهم الحاج بيومي صاحب العمارة العتيقة التي تطل على
شارع حشمت ثابت:
ـ سلام عليكم
ـ و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته... أهلاً
و سهلاً حاج بيومي... أوامرك؟
ـ بصريح العبارة أنا قرفت من سكان العمارة؛
إيجار أربع شقق (يرمح في الواحدة منهم الخيل) يدوب يجيب كيلو لحمه!.
نظر الشريكان إلى بعضهما البعض نظرات تعجب،
و لسان حالهما يقول: ما شأننا بهذا الأمر؟!... و قبل أن يتحول الكلام من العيون إلى
اللسان؛ فاجأهما الحاج بيومي بقوله:
ـ أنتما أسياد العارفين؛ و لولا اختلاف
الأذواق لبارت السلع، و محل القماش فيه الأبيض و فيه الاسود، و الدنيا كلها فيها الزين
وفيها الشين...
قاطعه أحدهما بانفعال رقيق؛ معبراً عن حالة
ضيق بسبب تلك الألغاز التي أضافت إلى ما هم فيه من مشكلة آنية أو بالأحرى أوانية
المزيد و المزيد:
ـ ماذا تقصد بكلامك يا حاج؟!
ـ محلكما يبيع العطور الزكية، و أنا أريد
روائح كريهة منفرة.
ـ سبحان الله... (نطقاها معاً باندهاش في ذات
اللحظة، و هما يضربان كفاً بكف)!.
ـ طلبك مـ مـ مـ موجود... موجود... موجود
أسرع عواد نحو المخزن ليحضر له المطلوب، و في طريق عودته؛ انزلقت قدمه فسقطت القنينات على الأرض؛ تكسرت و انسكب منها العطر
الفواح؛ الذي مالبث أن تحول إلى رائحة كريهة؛ عبأت الأجواء؛ فانطلق الحاج بيومي مهرولاً بعيداً عن المكان؛ دون أن ينتبه لتلك السيارة القادمة كالبرق...
حمله سكان عمارته إلى أقرب مشفى؛ تبرعوا له
بدمائهم؛ و ظلوا إلى جواره حتى عاد إلى سابق عهده؛ يبحث عن وسيلة جديدة للتخلص
منهم!.